أبو محمد إنسان بسيط جدًا، وهو على قدرٍ عالٍ من الطيبة. لا يذكر أنه اعتدى على أحد أو أن أحدًا اعتدى عليه. في النهاية فهو من نوع “الحيط الحيط ويا رب السترة”. صحيح أنه إنسان مناضل في هذه الحياة مثل معظم أبناء شعبه، يكافح للحصول على ما يُعتبر من أبسط الحقوق البشرية، لكن في النهاية هذه هي الحياة والحياة ليست سهلة، إن الحياة ليست جنة على أية حال، أليس كذلك؟ فلمَ يُشغل نفسه بالتفكير في مواضيع تافهة مثل هذه؟
أبو محمد إنسان متوسط التعليم، لكنه ليس مثقف. هناك من يقول أنه موظف في الحكومة، وهناك من يقول أن لديه ورشة بسيطة في حي شعبي ما. على أية حال هو نفسه لا يعرف كيف عاش ووصل إلى هذا العمر رغم دخله البسيط. لكنه سعيد، إن المال ليس كل شيء، أليس كذلك؟ فلمَ يُشغل نفسه بالتفكير في مواضيع تافهة مثل هذه؟
يعود أبو محمد كل يوم إلى منزله بعد العصر، تجده يصعد الدرج لاهثًا والعرق يتكاثف على صلعته اللامعة، في يده اليمنى بطيخة يسندها على كرشه المنتفخ، وفي يده اليسرى جريدة. بالطبع عثر على الجريدة على طاولة مكتبه في الدائرة الحكومية التي يعمل بها، أو وجدها مرميةً في ورشته، لم يشترِ الجريدة بالطبع، ولا يذكر يومًا أنه اهتم بالجرائد والأخبار والسياسة. هو يعيش حياة آمنة يرى أنها جيدة نسبيًا، هو يأكل ويعمل وينام ويستيقظ، وهذا بالنسبة له يكفي. إن الحياة الآمنة هي كل شيء، أليس كذلك؟ فلمَ يُشغل نفسه بالتفكير في مواضيع تافهة مثل هذه؟
بالنسبة لأبو محمد فالحياة هي البساطة ذاتها، ويمكن اختصار حياة أي إنسان بأربع مراحل، المرحلة الأولى هي ولادته، ثم ينمو ويكبر بشكل ما حتى يصبح قادرًا على الانتقال إلى المرحلة الثانية وهي العمل. بعد أن يعثر على عمل أيًا كان هذا العمل عليه أن ينتقل إلى المرحلة الثالثة ويتزوج. وبالفعل، بشكلٍ ما ورغم كل الظروف يجد نفسه متزوجًا. هنا انتهت الحياة بالنسبة له وبقي عليه انتظار الموت، ولو كان محظوظًا لرأى أحفاده قبل أن يموت وفي هذه الحالة ستكون الحياة سعيدة بالفعل.
ولادة، عمل، زواج، موت. ولادة عمل زواج موت … إن الحياة هي البساطة ذاتها ولا يدري لماذا يحب البعض تعقيدها. صحيح أنه ليس مثقف لكنه رجلٌ واعٍ وهو يدرك هذا جيدًا. هو ليس غبيًا ويؤمن بنظرية (القوى الكبرى الغامضة التي تتحكم بكل شيء في العالم). في النهاية هذه القوى الغامضة تخطط حياته وحياة الآخرين من أمثاله بشكل أو بآخر، إنها مؤامرة كبرى لا قِبَل له بها، فليدع الآخرين يفكروا عنه. المهم أنه سعيد في حياته وهذا يكفي. هكذا عاش جده، ووالده، وهكذا سيعيش أولاده. ولادة، عمل، زواج، موت. ولادة عمل زواج موت. هذه هي الحياة كما عرفها.
لكن ما علاقة أبو محمد بالتيار الثالث؟ في الواقع لا أدري. سنحاول العثور على الرابط بعد قليل. المهم الآن أن نعود إلى السؤال الأساسي: هل يوجد تيار ثالث في سوريا؟
حاولت عبثًا العثور على “تيار ثالث” في سوريا، ليس ضد النظام وليس مع النظام، ولديه ربما فكر معين يستحق المناقشة، وما زال البحث مستمرًا حتى هذه اللحظة. من عثرت عليهم حتى الآن هم إمّا (أبو محمّدات) بشكل أو بآخر، ضد الثورة لأنها عكرت صفو حياتهم كما عرفوها ولم يتمكن تفكيرهم القاصر من تخيل أفضل منها أو لماذا يجب أن يكون هناك أفضل منها، وإما -المثقفين منهم لو افترضنا أن بينهم (مثقفين)- فهم يرددون ما يقوله النظام لا أكثر ولا أقل. لا مانع من انتقاد النظام أحيانًا لإضفاء (شرعية تيارثالثية) على أنفسهم يقنعون أنفسهم بها، لكنهم في الحقيقة وللأسف عبارة عن أبواق. المثقفون منهم هم عبارة عن (أبو محمد) لكن بشكل آخر، شكل يجيد استخدام الفيسبوك كي يصدع دماغنا بفلسفته ونظرته إلى الثورة قبل أن يغلق الفيسبوك ويلتهم عشاؤه ويشرب الكولا ويتجشأ ثم يذهب إلى النوم.
في الحقيقة، يمكننا أن نصنف التيار الثالث -أو من يسمون أنفسهم تيارًا ثالثًا- إلى عدة أنواع:
- أبو محمد
- أبو محمد المثقف بليرة
- ذو المخ الأعوج الذي يؤمن بنظرية (الإنسان العربي ما بتلبقله الديموقراطية وبده دعس)
- المؤيد للنظام لكنه يخجل من إعلان ذلك صراحةً
- المسكون بنظرية المؤامرة (أمريكا تخطط لكل شيء ونحن مثل أحجار الشطرنج) أو المسكون بهاجس مجنون (تطرف/حكم إسلامي .. الخ الخ)
إن متعة صعود الدرج بعد يوم متعب من العمل، وفي يدك بطيخة وفي يدك الأخرى جريدة، والعرق ينهمر على صلعتك، هي متعة لا تضاهيها متعة. لماذا تسلب أبو محمد حياته الرتيبة التي اعتاد عليها؟ قد لا يكون مؤيدًا للنظام لكن قلّة وعيه حولته إلى تيار ثالث، أو بالأحرى فهو أطلق على نفسه هذا اللقب، لأنه يجعل منه يبدو مميزًا بشكل من الأشكال، هو يحب هذا اللقب دون خجل!
في النهاية أقتبس هذه المشاركة التي نشرتها مارسيل شحوارو على فيسبوك قبل فترة، والتي تختصر كل شيء:
ماذا لو عنا تيار ثالث فعلا ..
كان بدي منو .. يوثق اخطائنا .. سرقاتنا .. ينزل عالمحرر يشوف المدنيين ويرصد مصائبنا مو ليكتبلنا ياها عالفايسبوك ، ليوثقها ويوصلها للثوار ويطالب بمحاسبات
يمكن الناس اللي ماكتير منخرطة بالثورة تثق فيه وتحكيلو اللي بتخاف تقلنا ياه
كان بدي منو يسعى على امتداد سوريا لجمع تواقيع على طرح تنحي الاسد وانتخابات مبكرة ..حتى لو كان رح يطرح اعطاء الاسد حصانة
كان بدي منو يحكي عن المعتقلين من المدنيين اذا كتير زاعجو العسكريين يعني ويحاول يتوسطلهم
كان بدي منو ياكل هم الاغاثة مو ضمن موافقات النظام لا حتى للناس المحاصرةخلاف ذلك ما مقتنعة انو في تيار. تالت … في ناس منحبكجية بس مستحية وفي ناس نقاقة وفي ناس بلا موقف وبلا مبدأ
التفكير بالتيار التالت بيعملي حبوب بوشي
يازلمة رجعتني سنين لورا ، الله يرحم هديك الأيام 🙂
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( من كان آمنا في سربه , معافى في جسده , عنده قوت يومه , فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ))
صحيح إن أبو أحمد غير مثقف لكنه ” الدنيا كله بين يديه !! “
قال الله تعالى: فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا.
أعرض: سكت وكتم الحق.
و هذا ما يفعله أبو محمد …يسكت عن الحق
بتعرف …
صرت لما بشوف شي شغلة معارضة للنظام بمنطقية وبدون سلاح وبالكلمة والوعي و برجع بشوف المعتوهين أمثالك يلي بيركضو ليدبرو شي ربط ديني رباني الهي محمدي ما بعرف شو هو لسه !!!! بنمقت بموت بصير مؤيد للنظام للعضم
لك حبيبي شو دخل القصة بالدين هلق .. اخخخخخخخخخخخخخخ
مو كل حدا صار تيار تالت بس لأنو انزعج من تغيير نمط حياتو و رتابتو المعهودة …. ما تفاجأت بإجرام بشار كتير بس اي تفاجأت بإجرام معارضيه المسلحين …. و مستحيل كون مع أي طرف منهون
إذا التيار التالت يعني لا مع هدول و لا مع هدول فأنا مو منو …. أنا ضد هدول و هدول !!!
مؤمن شديد بالثورة و مشارك و الحمد لله …. إلى أن تسلحت !
سؤال بسيط جداً، ألا تعتقد أن هناك من يريد لسورية أن تصبح دولة ديمقراطية في الحقيقة؟ وهؤلاء هل سيكونون مع النظام؟ بالتأكيد لا إلا إذا كانوا أغبياء، هل سيكونون إذاً مع الثورة المسلحة؟ هل هناك في التاريخ ديمقراطية جاءت عن طريق ثورة مسلحة؟
هؤلاء ( وهم كثيرون ) بعضهم يدعو نفسه تياراً ثالثاً والبعض الآخر لا، ولكن بالتأكيد هم من التيار الثالث إذا اعتبرنا مؤيدي النظام تيار ومؤيدي السلاح تيار. وهناك تيار ثالث بالفعل في سورية عمل سياسياً على جمع أكبر عدد من المعارضين السياسيين الذين يتبنون فكره وساهم بتأسيس ائتلاف سياسي كبير وهو ائتلاف التغيير السلمي الذي أقام عدة مؤتمرات، والتقى بكل القوى السياسية العالمية التي قبلت باللقاء معه وأوصل رسالته التي تعكس رأي كثيرين.
ستسألنني عن النتجية طبعاً، وأنا أقول لك النتيجة كانت إيصال فكرة أن النظام الحالي يجب تغييره بشكل تام وجذري ولكن يجب أيضاً الوصول إلى دولة ديمقراطية، وذلك إلى روسيا وإيران والمنظمات الدولية، وهذا غيّر الكثير من الأمور، ولكن سأسأل بالمقابل ما كانت نتيجة عمل الاتجاهات الأخرى، الأول أو الثاني وغيرها، سوى التحريض والدمار، هذا إن أردنا الكلام عن النتيجة.
شكراً على الجهد أخ أنس،، أحببت المقالة وطريقتك في الوصول للفكرة
و أنا معك بالرأي النهائي الي طرحتو عن هوية التيار الثالث
و أيضاً كلمات الأستاذ مارسيل شحوارو رائعة فعلاً..
ومن بعد إذنك بدنا مقالة عن رأيك بأكبر نظريات المؤامرة التي شاهدتها على الإطلاق (الماسونية وأنها هي الحاكم الأوحد للعالم! )، مجموعااات من معارفي وأصدقائي (المعارضين والمؤيدين على حد سواء) صرعوني بالفكرة ويتبنوها كأنها مسلمة وكل الفضل لسلسلة Arrivals التي صدرت قبل كم سنة!!
طب اللي مو عاجبو النظام الإجرامي وبدو يتغير, ومو عاجبتو هالمعارضة المسلحة وتعفيساتها ومعارضة الفنادق الخارجية ومراوحتها مكانها, شو بيكون؟
لك أنس كتير ناس طلعت بأول الحراك السلمي ولك حتى في منن انسجنوا وتعذبوا وطلعوا بعدين بقدرة قادر بس يا أخي تحول هالثورة للتسليح وهالتخبيصات اللي ما بتنزل لا بميزان ولا بقبان خلتن يتراجعوا, ولا تقلي ما حاولوا التغيير بإيدن في منن التحقوا أسابيع مع الجيش الحر ولما شافوا أنو من بين ٢٥ كتيبة كانت بحلب, ٢٠ كتيبة عبتسرق وبس انسحبوا وفقدوا الأمل, لك حتى إذا بدك حسوا يا أخي أنو هالشعب الغير مثقف المُغيب طوال سنيييين بالفقر والجهل وقلة الثقافة ما خرج يحرر بلد, لك أنس تا شوف تخبيصات المسلحين بحلب والله لتبكي دم, لو أضل أحكي من هلأ لبعد بكرة ما بخلص.
هدول الناس شو بتسميهن؟ تيار رابع؟؟
المدونة هايلة جدا ً وموضوعاتها متنوعة جداً ، لكم مني اجمل تحية