ضعيفة جدًا وعديمة المعنى والفائدة تلك الفيديوهات التي انتشرت مؤخرًا على يوتيوب والتي تهدف إلى مهاجمة الدحيح بدعوى ما يقولون أنه “نشر الدحيح للإلحاد!” وسبب هذه التهمة (وهي تكفير صريح في الحقيقة) هو إما أن الدحيح لا يُقحم الأمور والتفسيرات الدينية في حلقاته ولا يمزجها مع تلك العلمية، أو أنه يعتمد على بعض النظريات العلمية التي يصفها هؤلاء بالإلحادية.
ما فات مُهاجمي الدحيح، عمدًا أو جهلًا – وأعتقد أنه الجهل- هو أن العلم بحد ذاته حيادي. العلم ليس مُلحدًا وليس مؤمنًا. تُخبرنا النظرية النسبية مثلًا بأن حاصل ضرب الكتلة في مربع سرعة الضوء يساوي طاقته. هذه المُعادلة تبقى (صحيحة) سواء كان الطالب الذي يدرسها مؤمنًا أو مُلحدًا، وسواء كان المُعلِّم الذي يشرحها مؤمنًا أو ملحدًا. يُمكن للمؤمن أن يرى تجلّيًا دينيًا أو تفسيرًا من القرآن في هذه المعادلة إن شاء ولن يرى المُلحد شيئًا من ذلك، لكن E = mc2 ستظل هيَ هيَ بغض النظر عن كل ذلك. لاحظ أني وضعت كلمة (صحيحة) بين قوسين وذلك لأن لا شيء مُطلق في العلم، هي صحيحة بناءً على أفضل ما يتوفر لنا من علم حتى اللحظة.
هذا ما نعنيه بقولنا أن العلم حيادي، لهذا فإن إسقاط الدين على العلم هو مُجرد رأي لصاحبه لا يُغير من المعادلات والنظريات، وكذلك فإن إسقاط الإلحاد على العلم خطأ فادح يُمارسه الكثير من الملحدين. العلم حيادي لا علاقة له بكل هذا الجدال.
العلم قائم إما على التجارب المُثبتة، أو على التوقعات المبنية على أفضل فهم توصّلنا إليه وفقًا للمُعطيات الملموسة، وهذا الفهم قد يكون خاطئًا ونكتشف خطأه لاحقًا، فالعلم معني بدراسة المحسوس وليس بدراسة الغيب، وبالتالي لو شرح بروفسور مؤمن لطلابه نظرية التطور أو فرضية الأكوان الموازية فهذا لا يعني أن البروفسور المؤمن قد كفر وأصبح ناشرًا للإلحاد لأن واجبه الأكاديمي يُحتّم نشر ما توصّلنا إليه بالدليل والتجربة، أو ما نتوقعه وفقًا لما يتوفر لدينا حاليًا من مُعطيات ملموسة ومدروسة. هذا الأسلوب بالمُناسبة (أي الاعتماد على التجربة والابتعاد عن التفسيرات الغيبية) هو ما مكّن العلماء من تطوير اللقاحات والأدوية والتي بفضلها يمكن لمُعظمنا قراءة هذه الأسطر الآن. لو أننا الآن في زمن ما قبل العلم التجريبي لكان مُعظمنا قد مات بسبب عدوى فيروسية يمكن التغلب عليها اليوم ببساطة.
الدحيح ليس مُطالبًا بتقديم تفسير ديني أو تجنب التطرّق إلى نظريات مُعينة يحاول شرحها من زاوية علمية بحتة. من المفترض أن هذا طبيعي ومفهوم!
يحكي “نيل ديغراس تايسون” عالم الفيزياء الفلكية عن بروفسور عبقري زميل له في الجامعة وفي ذات الوقت هو مؤمن مُتديّن. يقوم صباحًا بتدريس طلابه عن نشأة الكون التي بدأت كما هو مُثبت علميًا قبل 13.8 مليار سنة، وهو متأكد من صحة هذه المعلومة كونه دارسٌ وخبير في جميع الأدلة على ذلك، ويعود مساءًا لقراءة الإنجيل ويؤمن بالرواية الإنجيلية التي تقول أن عمر الكون 6000 سنة. هل يجعله هذا مُلحدًا وناشرًا للإلحاد؟ بالتأكيد لا، فهو لا ينشر الإلحاد لمجرد أنه يشرح النظريات العلمية. في النهاية قد يقول لنفسه بأن رقم الـ 6000 سنة قد يعني شيئًا آخر، أو هو مقياس مُختلف للسنوات عن مقياسنا البشري، أو أي تفسير آخر لا يستطيع نقله إلى طلابه كونه لا يستطيع إثباته، على عكس الرقم الأول القابل للإثبات.
هل الدحيح ينشر الإلحاد؟ نعم! بنفس القدر الذي تنشر فيه الإلحاد كتُب الفيزياء التي درسناها في المدرسة، أو كتب الطب التي درسها من نلجأ إليهم عند المرض.
(مصدر الصورة: يوتيوب)
مقالتك متوازنة وتفتح الباب لإمكانية فهم علمي للواقع، ولكن على من تلقي مزاميرك؟
ملاحظة جانبية: نفتقد موقع أردرويد. لماذا الغياب ودون اي تفسير؟