مرحبا ..
فن الرسم من أجمل أنواع الفنون, فلا يوجد أجمل من لوحة رسمها فنان مبدع تعلقها على جدارك, حتى لو كانت اللوحة لا تعبر عن شيء واضح ومباشر, فالمهم الانطباع الجميل الذي تعطيه اللوحة بشكل عام حتى لو لم يكن الشيء المعبر عنه في اللوحة شيئا سهل التناول والفهم.
هذه هي النقطة التي أريد الحديث عنها اليوم..
هل هنالك بعض من يدعون بأنهم يفهمون في الفن التشكيلي و يحبون الفزلكة على الآخرين؟
كي يصبح قصدي واضحا سأذكر لكم هذه الحادثة ..
كنت ذات مرة مع بعض الأصدقاء في أحد المطاعم فشاهدنا لوحة زيتية معلقة ..
كانت اللوحة عبارة عن (شخبرة) بالألوان وبعض الخطوط الرفيعة بألوان بارزة كالأصفر والبرتقالي …
وفجأة بدأ أحدهم (وهو رسام) يشرح لنا معنى اللوحة !!! ويقول أشياء على غرار:”هذه اللوحة تعبر عن القهر الذي يتعرض له الانسان الفقير وكيف ينفض الناس من حوله لأنه فقير, أما هذه الخطوط الصفراء الرفيعة فهي تعبر عن تشاؤمه ويأسه الخ الخ ”
حينها بعضنا سخر منه وبعضنا أخذ يناقشه أن هل فعلا يمكننا قرائة هكذا معاني من هذه اللوحة؟
بالطبع لم نتوصل إلى نتيجة, لكنني ذكرت له حادثة حدثت معي قبل ذلك ببضعة سنوات …
حينها كنت مع صديق لي في أحد المعارض, ليس معرضا فنيا للوحات, بل كان معرضا تراثيا عن التراث الشامي وما شابه. المهم أنه كان هنالك قسم صغير فيه بعض اللوحات رسمها فنانين سوريين, بعضها كان رديئا جدا من النوع الذي يمثل حقلا ومدخنة مصنع وفلاحا يحمل معولا بيد ومفتاحا انكليزيا باليد الأخرى, حتى لتشعر بأن من رسمها ركب آلة الزمن وجاء من عصر الثورات الاشتراكية والشيوعية ..
وكان هنالك بعض المنحوتات والتماثيل القبيحة, لكنها لم تكن تقل قبحا -بأي حال من الأحوال- عن التماثيل التي تصادفك عند مداخل وممرات كلية الفنون (الجميلة) …
باقي اللوحات كان لا بأس بها ..
وقفنا أنا وصديقي أمام لوحة كبيرة من تلك اللوحات التي ليست أكثر من ضربات بالفرشاة لا تعبر عن شيء معين فبدأ صديقي بهدف المزاح والتسلية يقول:”هي اللوحة تعبير أفقي عن شعور عمودي عن الرغبة المنبثقة من نقطة اللابداية واللانهاية اللي بتداعب خيال بني الانسان وبتخليه يفكر بحلم الخلود …”
وبقي صديقي حوالي الخمسة دقائق يشرح عن اللوحة متابعا بنفس الأسلوب الساخر (وأنا كنت فارط بالضحك) …
عندما التفتنا خلفنا وجدنا مجموعة لا تقل عن ستة أشخاص كانوا واقفين خلفنا مباشرة دون أن نشعر وكانوا يستمعون لشرح صديقي بكل انتباه !!!
كانوا يهزون رؤوسهم بإعجاب وفهم شديدين وهم مستمتعون أشد الاستمتاع بذلك الهراء الذي كان يسرده صديقي بهدف التسلية لا أكثر.
أحدهم قال:”بهنيك على الشرح الممتع”
وآخر صفق بإعجاب شديد والابتسامة تملأ وجهه …
وقبل أن (ياخدو وش) أكثر وينخرطوا معنا في حديث عن الفن والمدارس الفنية وبيكاسو و رامبرانت اعتذرنا منهم سريعا ومشينا ونحن بالكاد نستطيع كتم ضحكتنا..
سؤالي هو, هل من الضروري أن تكون كل لوحة فنية معبرة عن شيء معين؟
هل تعبر عن مافي بال الرسام فقط؟
وهل يستطيع الخبراء حقا, استشفاف شيء من اللوحة؟
هل كل شخص يفهم اللوحة على مزاجه؟
أم أن اللوحة تعبر عن شيء محدد فقط؟
طبعا أنا لا أتحدث عن اللوحات التي تمثل مشاهدا معينة كالمناظر الطبيعية وما شابه …
أتحدث هنا عن اللوحات السريالية واللوحات التي لا تميز منها سوى ألوان وخطوط متداخلة بشكل عشوائي …
ما رأيكم أنتم؟
تابع الردود والتعليقات في منتديات شباب أونلاين, تعليقات دسمة تنتظرك!
هذه ليست فذلكة, الكثير من لوحات الفن التشكيلي تعلق على الحائط و تتترك الحرية لكل من يشاهدها أن يفهمها كما يشاء:
أنت رأيتها شخبرة
زميلك وجدها تعبر عن القهر (حتى و لو عن سخرية)
البعض قد يجدها جميلة لمجرد أنه أحب الألوان و كيفية تداخلها….
و على كلٍ حال فبعض اللوحات يكون الهدف منها فقط إظهار تقنيات الرسم العالية دون الإهتمام بالجمالية..
و أنا من المعجبين بتلك ال”شخبرات” لأنها تفتح الأفق أمام الكل لتأمل ما بداخلها من ألوان أو من أشكال غير واضحة, أو أنها تضفي حركة على جو الغرفة باستخدام ألوان متعددة زاهية كانت أم قاتمة, فتقتل رتابة الجدران البيضاء و الصمديات المكررة.
أما المناظر الطبيعية فبنظري أننا استغنينا عنها تدريجياً لوجود الكاميرات.
مرحبا زهرمان ..
أنا أيضا أحب هذه (الشخبرات) …
لكن ما أتحدث عنه بالضبط ليس هذه اللوحات بحد ذاتها, بل أتحدث عن الأشخاص اللذين يتظاهرون بفهمهم لهذه اللوحات ويبدأون باختيار العبارات الغامضة المنمقة يدفعهم حب الظهور ..
الحقيقة يا أنس أنّه أجمل ما في الرسم واللوحات هوَ الغموض بحدّ ذاته
وروعة الفن تَكمن في خلق ردّات فعل مُختلفة عند كُلّ شخص
وعَ فكرة , فهمنا للوحة لا يُعبّر إلا عن ذواتنا المخفيّة ..
أما عن الفزلكة … إن وجود بعض المفزلكين يضفي جوّاً آخر على اللوحة
🙂